تصنيفات عامة

الكيانات الدينية ودورها في تعزيز ثقافة التنوع واستقرار الوطن

الكيانات الدينية ودورها في تعزيز ثقافة التنوع واستقرار الوطن

بسم الله الرحمن الرحيم

الكيانات الدينية ودورها في تعزيز ثقافة التنوع واستقرار الوطن

د. عبدالمحمود أبو

تعريف:

  • الكيانات الدينية
  • التنوع
  • ثقافة التنوع
  • الوطن
  • عوامل استقراره

دور الكيانات الدينية

  • التعريف بطبيعة الاختلاف والحكمة منه
  • أولا: فقه التنوع في مجال اختلاف الألسن والألوان والقبائل
  • ثانيا: فقه التنوع في مجال الاختلاف الديني والحضاري
  • ثالثا: فقه التنوع في مجال الاختلاف الفكري والفقهي الاجتهادي:
  • رابعا فقه التنوع مع المكونات الاجتماعية
  • : قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا  لاَ  يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) “الحجرات11-12]

الحكمة من التنوع:

الحكمة الأولى: تبادل المنافع:

الحكمة الثانية: التعارف قال تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات:13].

الحكمة الثالثة: التدافع والتفاعل قال تعالى:”… َلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ [البقرة:251]، يقول الإمام الرازي “لا تتم مصلحة الإنسان الواحد إلا عند اجتماع جمع في موضع واحد، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع، ثم إن الاجتماع يسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أولا، والمقاتلة ثانيا، فلابد في الحكمة الإلهية من وضع شريعة بين الخلق..”[1] ، ثم ذكر من هؤلاء الذين يدفع بهم الظلمة والطغاة إما أهل الحق، وإما غيرهم، كما ذكر أن التدافع بهذا المعنى لا يقع بين أهل الحق[2] وقد بين الله تعالى حكما أخرى من هذا الدفع حيث يقول الله تعالى:”… وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً [الحج:40] حيث دل على أنه بهذا الدفع تحمى الشرائع وأهل الحق، وأماكن العبادة [3]

الحكمة الرابعة: معرفة قيمة الخير والشر: الإنسان العاقل لديه مقاييس يدرك من خلالها ما يضره وما ينفعه، وهنالك أشياء لا تظهر قيمتها إلا بمعرفة نقيضها مثل الظلمات والنور والحق والباطل والصحة والمرض.. الخ فمن حكم الله تعالى أن جعل الحياة متنوعة ليعرف الإنسان من خلالها مظاهر الخير فينميها ومظاهر الشر فيتخلص منها.

فوائد التنوع:

للتنوع فوائد كثيرة يستفيد منها الأفراد والجماعات والدول، فالمهارات المتعددة، والتخصصات، والعلوم والطاقات؛ فوائدها مشاهدة وملموسة على كافة الأصعدة، وفي هذا المطلب يتم استعراض الفوائد وفق الفروع الآتية:

الفائدة الأولى: الاستفادة من كل الطاقات في خدمة المجتمع:

      مجتمع المدينة؛ هو المجتمع الذي يجسد نموذج المجتمع الإسلامي الأول، وكان يضُم اليهود بطوائفهم الثلاثة: بني قريظة، وبني قينقاع، وبني النضير، والمسلمين بمجموعتيهم: المهاجرين والأنصار، وكانت مجموعة الأنصار تضم الأوس والخزرج، وهناك المشركون من العرب الذين كانوا أيضا يقيمون في المدينة؛ لديهم كافة الحقوق الإنسانية. بل “في المجتمع الإسلامي المدني (في المدينة المنورة) ظهر صنف غير معهود من المخالفين، إنه المنافق؛ الذي تسَتَّر بالإسلام وتظاهر به، وانضوى في مجتمع الإسلام؛ ليتمكن من الكيد له ولدينه ولنبيه صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من أن هذا المخالف أخطر صنف على الإسلام ودينه وبنيانه؛ لكونه آتيا من عمق المجتمع ومن صميمه؛ إلا أن الإسلام عمِل على استيعابه واحتوائه وتجنب الصدام معه، فأفسح له المجال للمشاركة في فعاليات حياة المجتمع المسلم؛ في العبادات والمعاملات والجهاد والاطلاع على بعض بواطنه وأسراره، فلم يصدر عنه غير التثبيط والإحباط والفتِّ في العَضُد، والطَّعن في الظهر، فقُوبل بالصبر وسعة الصدر، قال عبدالله بن أُبَيْ زعيم المنافقين مُستغِلاًّ خلافاً بَيْن أحد المهاجرين ورجل أنصاري: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: “دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”[4].

  • هذا النهج الذي اتبعه الإسلام في إدارة التنوع، مكّن المجتمع الإسلامي؛ من الاستفادة من كل طاقات مكونات المجتمع، وتكوين رأي عام متسامح مع المختلف، مما شكَّل لوحةً متنوعةً في ظل الوحدة. قال خلف المثنى، لقد شهدنا عشرة في البصرة، يجتمعون في مجلس لا يُعرف مثلُهم في الدنيا علماً ونباهةً، وهم الخليل بن أحمد، صاحب النحو وهو سُنِّي، والحِمْيَري الشاعر، وهو شيعي، وصالح بن عبد القدوس، وهو زنديق ثَنَوِي، وسفيان بن مجاشع، وهو خارجي صفري، وبشّار بن بُرد، وهو شُعوبي خليع ماجن، وحمّاد عجْرد، وهو زنديق شعوبي، وابن رأس الجالوت الشاعر، وهو يهودي، وابن نظير المتكلم، وهو نصراني، وعمر بن المؤيّد، وهو مجوسي، وابن سنان الحرّاني الشاعر، وهو صابئي، ..هؤلاء جميعا، كانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار، ويتحدثون في جوٍّ من الودّ لا تكاد تعرف منهم أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في دياناتهم ومذاهبهم[5]، هذا المشهد يؤكد حجم التسامح الذي كان عليه المجتمع الإسلامي تاريخيا، وكيف أن الإسلام قد أسس لإدارة التنوع للاستفادة من كل الطاقات، وفي عصرنا الحاضر؛ بتعقيداته، وعلاقاته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية؛ فإن المجتمع أحوج ما يكون لهذا التنوع وحسن إدارته.
  • وفي مجال الفتوى؛ فإن المعلومة في هذا العصر توفرت بصورة غير مسبوقة، فهناك ضرورة إلى قيام مؤسسات للفتوى؛ تضُمُّ كل التَّخُصُّصَات الشّرعية والمدنية والتطبيقية، يشترك فيها علماء السياسة، وعلماء الاقتصاد، وعلماء العلوم الطبيعية، وعلماء الاجتماع، وعلماء الفلسفة، وعلماء العلاقات الدولية، وعلماء القانون؛ حتى تتمّكن من إصدار فتاوى تقلُّ فيها نسبة الخطأ وتكون جامعةً مانعةً قدر الطاقة، وبالتالي يستفيد المجتمع من كل عطاء إنساني مفيد.

الفائدة الثانية: ترسيخ ثقافة التسامح التي تحقق الاستقرار:

  • ثقافة المسلم تنبع من العقيدة الإسلامية والأصول الشرعية والقواعد الكلية، والأخلاق الحميدة، وهي تتميّز بخصائص تتمثّل: في أنها تعتبر أن وحدة الأمة هي الأصل:” إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ” [الأنبياء:92]، وهي تعبر عن هوية الأمة وتقاليدها؛ في المأكل، والمشرب، والملبس، وطريقة المشي، وهي أشياء يشترك فيها كل الناس؛ غير أن المسلمين يتحرَّون في هذه العادات الأحكام الشرعية، ويمارسونها مقرونة بأهداف سامية قال تعالى:” الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ “ [الأعراف:157].

حقوق غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية:

لقد حدد الإسلام منهجا واضحا للتعامل مع غير المسلمين، يقوم على الآتي:

أولاً: عدم الإكراه في العقيدة والشعائر: إنّ الأمر المطلوب إدراكه ابتداء هو: ” أنّ المسلمين ليسوا أوصياء على العالم بأسره، خلافا لما يتوهّم الآخرون. وإنما هم أُمَناء على تبليغ مشتملات الدعوة الإسلامية، في العقيدة، والعبادة، والشريعة، والأخلاق، والآداب، وهذا الأساس واضح المعالم، في صريح القرآن الكريم، الذي وجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا المنهج في آيات كثيرة منها قوله تعالى:” لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ”[الغاشية:22]، وقوله سبحانه:” وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ” الأنعام:66]، وقوله تعالى:” نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا  أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ” [ق:45]، دلت هذه الآيات على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا سلطان له على أحد من الناس فكذلك أتباعه”[6].

والنص القاطع في هذا المجال هو قوله تعالى:” لا َإِكْرَاهَ في الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” [البقرة:256]

إن مبدأ عدم الإكراه يؤدي إلى النتائج الآتية:

  • أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكلف بالبلاغ والتبشير وليس الإكراه.
  •  أن على الدعاة أن يلتزموا بآداب معينة هي:
  • الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
  • المجادلة بالتي هي أحسن.
  • عدم التعرض لعقائد الآخرين بالإساءة.
  • عدم الجهر بالسوء إلا في حالة الظلم.
  • دفع السيئة بالحسنة.
  • دعوة الآخرين إلى التمسك بالمشترَك.
  • حساب الذين لم يستجيبوا للدعوة على الله.
  • –        الاختلاف لا يلغي الحقوق.
  • إتاحة الفرصة لحرية الاختيار.
  • أن الحجة والبرهان هما سلاح المؤمن في الدعوة.
  • –        الحوار هو منهج الإسلام مع المخالفين[7]

ثانياً: العدل حق للجميع وإن اختلفت العقائد:

الإسلام أقر الكرامة الإنسانية للجميع كما ورد في الآية “70” من سورة الإسراء وهذا التكريم يقتضي التعامل مع الإنسان بالأسلوب الذي يحفظ هذه الكرامة، ونهج الإسلام في هذا المجال يقوم على أسس تحقق في جملتها العدل في التعامل مع التنوع وذلك وفق الأسس الآتية:

الأساس الأول: المحافظة على البراءة الأصلية لكل الناس، مهما كانت عقائدهم، فاختلاف العقيدة لا يبيح ظلمهم، أو اتهامهم بما لم يفعلوا، وفي نصوص القرآن جاءت براءتهم عندما اتهموا ظلما من قبل أحد المسلمين؛ كما في قصة طعمة بن أبيرق؛ التي وردت في سورة النساء، وفيها براءة اليهودي ومعاقبة المسلم[8]

الأساس الثاني: قبول ما يأتي منهم إن كان حقا، ولا تحول العقيدة بينهم وبين الاعتراف لهم بالفضل، إذا صدر منهم، كما جاء في سورة المائدة:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَالمائدة:8]، وآية آل عمران، “ وَمَا  يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ” آل عمران:115].

الأساس الثالث: التسامح والتّراحُم، مهما اختلفت العقائد، فقد أجاز الإسلام للمسلم، أن يتزوج من نساء أهل الكتاب، وبالتالي تُصبح الكتابية زوجته، وأم أولاده، وإخوانها نَسَائِبُه، وأخوال أولاده، وأمها بمثابة والدته، وهي جدة لأولاده، وأبوها جد لهم، وهكذا، فيصبح بين المسلمين وأهل الكتاب مصاهرة وقرابة لها حقوق ونفقات وتكافل، وقد أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى الوالدين حتى ولو جاهدا على إضلال أولادهما. فقال تعالى:” وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” [لقمان:15].

الأساس الرابع: الالتزام بالآداب الراقية عند الجدال، حيث خصَّ الله تعالى الجدال مع أهل الكتاب؛ بأن يكون بالأحسن صورة، وشكلا، وأسلوبا، ولغة، ومنطقا، فقال تعالى:” وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ” [العنكبوت:46]، فقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في حواراته معهم، وفي تعامله معهم؛ حيث كان يزورهم، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم، بل يسمح لهم أن يصلوا صلاتهم في مسجده عرضا، فقد روى علماء السيرة بسندهم “أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم  دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم” فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم”[9] وقد علق على ذلك ابن القيم فقال: “جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها تمكينهم من صلاتهم بحضرة المسلمين، وفي مساجدهم أيضا إذا كان ذلك عارضا..[10]

ثالثاً: المسئولية الفردية:

هذا المبدأ يعني أن حقوق غير المسلمين، في الدولة الإسلامية، لا تتأثر بمعاملة الدول غير الإسلامية للمسلمين المقيمين فيها؛ لأن الحقوق الإنسانية، مقررة في الإسلام للإنسان لذاته، بغضّ النظر عن عقيدته، أو مواقف الذين يشاركونه في المعتقد، ضد الإسلام والمسلمين؛ إنه مبدأ نصّت عليه الآية الكريمة:” مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ” [الإسراء:15]، إ

عوامل تهديد الأمن المجتمعي وعدم الاستقرار

  التعصب سلوك أهم ركائزه: الانحراف الفكري والتشوه الوجداني والسلوك العنيف وهو بهذا التكييف مهدد خطير لأمن المجتمعات واستقرارها. إن مخاطر التعصب تتمثل في قتل روح الابداع، ونشر الجهل والتخلف، ويعمق العداوة والعزلة بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى إزهاق الأرواح، ويصبغ المجتمع بالمظاهر الآتية:

المظهر الأول: الاستعلاء الثقافي:

عندما تمارس مجموعة من المواطنين استعلاء على المجموعات الوطنية الأخرى على أساس أنها صاحبة الحق الأوحد في الوطن وأن ثقافتها هي الأصل والآخرون تبعا لها، فإن ذلك من شأنه أن يهدد النسيج الاجتماعي حيث يشعر الآخرون بالدونية تجاه الثقافة الغالبة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلي توجس المجموعات الصغيرة بسبب ضعفها وقلتها وقوة الآخرين وكثرتهم خوفا من امتصاصها وذوبانها، مما يجعلها تتوجس من أي نشاط يقوم به الآخرون فتفسره بأنه يستهدفها ويسعي لاستئصالها. والاستعلاء قد يكون ظاهرا أو مضمرا في الثقافة الاجتماعية، وقد يكون حقيقيا أو متوهما، وفي كل الأحوال سيكون عائقا ومهددا لوحدة النسيج الاجتماعي. إذا كانت هنالك مجموعة دينية أو ثقافية غير معترف بها فإن ذلك من شأنه أن يهدد النسيج الاجتماعي. وعدم الاعتراف يدفع تلك المجموعة إلى اتخاذ مواقف مضرة تنفيسا عن إحساسها بالظلم وإعلانا لظلمها ولا تتورع أن تكون مخلب قط لأي عمل عدائي ضد دولتها لأن من أهم عوامل الإحساس بالوطنية هو الشعور بأن الوطن يحقق للمواطن الحاجات والتطلعات ويعبر عن الهوية.

 المظهر الثاني: عدم المساواة في الحقوق والواجبات:

 إذا كانت هنالك مجموعة دينية أو ثقافية تميز على غيرها بسبب انتمائها العقدي أو الثقافي، وخاصة إذا كانت هذه المجموعة تشكل أغلبية فإنها تضغط على الدولة أن تلتزم لهم بهذا التمييز. والدولة التي تفاضل بين مواطنيها بحسب المعتقد أو الثقافة أو العرق أو أي فارق غير العطاء؛ فإنها تشكل أكبر مهدد للتعايش السلمي، والفكر الإنساني اهتدى إلى المواطنة كأساس للحقوق والواجبات؛ لأن الاعتبارات الأخرى لا تحقق التماسك ولا الوحدة في الوطن الواحد القائم على التعددية، فالانحياز الواضح من قبل الدولة لأي عقيدة أو ثقافة أوعرق علي حساب المكونات الأخرى يعتبر مهددا للتماسك الاجتماعي.

المظهر الثالث: التدخل الخارجي:

 بعد التقسيم القطري للدول أصبحت أي دولة مستقلة، تعتبر صاحبة سيادة على أرضها وشعبها وحدودها، حسب التعريف الدستوري للدولة، ويمنع التدخل في خصوصياتها من قبل الآخرين؛ لأن هذا التدخل من شأنه أن يهدد الأمن والسلم الدوليين، وتكمن الخطورة فيما إذا كانت الدولة تظلم مواطنيها وتضطهدهم بسبب اعتقادهم أو ثقافتهم أو عنصرهم؛ فإن ذلك سوف يفتح بابا للتدخل الخارجي لحماية حقوق الإنسان ومعلوم أنه لا سيادة للدولة في حال انتهاكها لحقوق مواطنيها حسب النظام العالمي الحالي.

 إن أسباب التدخل الخارجي كثيرة أهمها:

  • انتهاك حقوق الإنسان
  • التطهير العرقي
  • انتهاك الحريات الدينية
  • وقوع الكوارث الطبيعية
  • التدخل في شئون الغير
  • رعاية الإرهاب الدولي
  • المطامع الخارجية في الثروات
  • نزعة الهيمنة

المظهر الرابع: الاستفزاز:

إن العوامل التي تستفز الآخرين كثيرة أهمها:

  • السخرية من المعتقدات
  • الإساءة للمقدسات
  • مناصرة العدو
  • التحريض ضد الآخرين
  • مضايقة الأنشطة

مبادئ استقرار الوطن وصيانة العيش المشترك:

أولاً: الإخاء الإنساني:

ثانياً: تكريم الإنسان والحفاظ على حقوقه:

ثالثاً: الالتزام بقواعد الأخلاق والآداب:

رابعاً: حق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات:

خامساً: الرحمة في السلم والحرب:

سادساً: الوفاء بالعهد والميثاق:

سابعاً: المعاملة بالمثل:


[1] الإمام الرازي. التفسير الكبير، ط. دار إحياء التراث العربي (6/190-191)

[2] . د. علي محيي الدين القره داغي. نحن والآخر- دراسة فقهية تأصيلية، ص (179)

[3] المرجع نفسه. 

[4] صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب سورة المنافقون، 4/1861 حديث رقم 4622.

[5] د مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا 89 وكانت هذه المجالس العلمية الشعبية معروفة في عهد المأمون، الذي كانت له حلقة علمية يجتمع فيها علماء الديانات والمذاهب، وكان يقول لهم: ابحثوا ما شئتم من العلم من غير أن يستدل أحدكم بكتابه الديني حتى لا يؤدي ذلك إلى إثارة المشكلات الطائفية، كما يذكر الدكتور السباعي – المصدر مواطنون لا ذميون، فهمي هويدي ص74.

[6] أ. د: وهبة الزحيلي، موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، 6/368.

[7] راجع مواطنون لا ذميون الصفحات (93-95).

[8] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم المجلد الأول 528-531 دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1430هـ 2009م.

[9] أنظر ابن هشام 1/573، والسيرة لابن كثير4/100- 108.

[10] زاد المعاد 3/638.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى