تصنيفات عامة

"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم"

"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم"

“هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم”

بقلم: د. عبدالمحمود أبو

لا يستغرب المرء إذا وجد مصلحا حقق نجاحا في مجال من مجالات الحياة، فكثير من المصلحين حققوا نجاحات سارت بذكرها الركبان وخلدها التاريخ؛ ولكن المدهش أن يغير أميٌّ الحياة كلها ويترك بصماته شاهدة على نجاحاته؛ بل تتجدد اصلاحاته مع تطور الحياة ويقر اللاحقون له بالتفرد والقدرة على حل المشاكل التي لم تحدث في زمانه!

إنه رسول الإنسانية سيدنا محمد الأمي الذي علم المتعلمين، واليتيم الذي بعث الأمل في قلوب اليائسين، والهادي الذي قاد سفينة الإنسانية الحائرة إلى ملكوت رب العالمين. تظللنا ذكراه ونحن نعيش في وسط تحيط به الأزمات إحاطة السوار بالمعصم، وترسم صورة قاتمة للواقع تكاد كل الحلول تقف عاجزة عن معالجتها، وفي هذه الحالة فإن الواجب يحتم علينا أن ننقب في سيرته العطرة لنهتدي إلى منهج معالجة الأزمات التي برع فيها صلى الله عليه وسلم، أولم يصفه خالق الكون بالنعمة التي يجب علينا أن نتذكرها دائما عندما تدلهم الخطوب؟ قائلا:” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.

“هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم”

فالمصطفى صلى الله عليه وسلم وحد الكلمة، وألف بين القلوب، وأنقذ الإنسانية من ظلمات الجهل والشرك، وبين طريق الهداية لمن يريد النجاة؛ بل علمنا كيف نتعامل مع الدنيا وتقلباتها ولفت نظرنا إلى أن مظاهر الحياة خادعة ينبغي ألا تصرفنا عن حقيقة الوجود، فليس للإنسان في هذه الحياة إلا أن يعيش آمنا في مجتمعه، معافى في بدنه، يمتلك قوت يومه؛ وما زاد على ذلك فهو ترف.

إن معظم الأزمات التي نعيشها صنعتها أيدينا! فالموارد تضاعفت مئات المرات وكثير منا يمتلك أكثر من حاجاته وحاجات أسرته، وهنالك أشياء في داخل منازلنا لم نستخدمها منذ امتلاكنا لها وستظل هكذا إلى أن نغادر الحياة ونتركها لمن يرثها، والجشع والشح يحيطان بنا فصرنا نخشى ألا نجد قوت غدنا ونحن لم نستهلك بعد ما في أيدينا وصدق الله القائل:” إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً” لقد غابت الطمأنينة وذهب اليقين وصرنا نتوجس من كل شيء مع أننا درسنا منذ الصبا وحفظنا أن من أركان الإيمان أن نؤمن بالقدر خيره وشره.

“هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم”

يبدو أن آثار العولمة الخبيثة لحقت بمجتمعاتنا وأثرت على أبجديات تميزنا؛ فهل من سبيل لاستعادة الحياة إلى نفوسنا لنتشبع بالطمأنينة ونستأنف مسيرة الحياة على نهج من قال: “اللهم اجعلنا من العارفين لحسن قدرك، الصابرين عليه رجاء لوعدك، ورغبة في الصلوات، والرحمة مع هدايتك، واجعلنا ممن آثر المسكنة لحسن الوعد الدائم عندك، ولا تجعلنا ممن آثر الشئون الفانية مع ذمك، والشهوات الزائلة مع تبعيدها عنك، واجعلنا ممن آثر التقوى والوفاق، والصبر على الشدائد والمشاق، رغبة في دوام القرب والتلاق، وقوي نورنا ليهون علينا ذلك، واجعل لنا قوة منك على تحمل ما يرضيكم”.

إن في سيرة صاحب المولد صلى الله عليه وسلم بلسما يضمد جراحاتنا، ومنهجا يبصرنا بالطريق المستقيم الذي علينا أن نسلكه، وعلاجا ناجعا لأمراض النفوس وصولا إلى القلب السليم الذي تكون به النجاة. أولم يقل الله سبحانه وتعالى: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً”؟ فلنذهب إلى صيدلية السيرة النبوية العطرة فنجد الوصفة الآتية:

أولا: الارتقاء بمفاهيم سكان الجزيرة العربية من الافتخار بالقبيلة والحروب لأتفه الأسباب إلى مفاهيم الكرامة الإنسانية فتحولوا من قيم قصيدة عمرو بن كلثوم التي جاء فيها:       بغاةٌ ظالمين وما ظُلِمنا   ولكنا سنبدأ ظالمينا

إلى قيم قوامها العفو والتسامح والإيثار، “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”

ثانيا: إدارة التنوع بمنهج يعزز التعايش السلمي ويجعل الاختلاف سبيلا لإثراء الحياة لا طريقا للتفاضل والتباغض،” كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى”.

ثالثا: تزكية النفوس بالتخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل فتحققت في المجتمع أخلاق المدينة الفاضلة وصار الجميع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا شح ولا جشع ولا استغلال لحاجة الناس؛ بل تقديم ما زاد عن الحاجة وتكافل وتراحم. “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”

رابعا: ترسيخ مفاهيم المسئولية وترقية الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس وغرس تجويد العمل وتعزيز قيمة العمل الصالح الذي يعود نفعه على الجميع “إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه”

خامسا: تصحيح مفهوم العبادة وتوسيعه ليشمل كل أعمال البر وليس وقفا على الشعائر فكل عمل مشروع إذا أخلص صاحبه يكون عبادة يؤجر عليها” لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ”.

سادسا: الاحتفاء بكل مصادر المعرفة (الوحي والالهام والعقل والتجربة) ودعوة المؤمنين للأخذ بها تحقيقا للوظيفة التي خلقوا من أجلها.

سابعا: التأكيد بأن هنالك تمييز بين الدين المعصوم والتدين الاجتهادي، فكل نفس بما كسبت رهينة وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن أخطاء الممارسة تنسب لأصحابها وليس للإسلام.

اللهم حببنا في نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إذ أنه دلنا إليك وتلقى الوحي منك فبلغه فوصل إلينا بفضلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى