تصنيفات عامة

ولد الهدى فالكائنات ضياء "أساليب المواجهة(6)

د. عبدالمحمود أبو يكتب

ولد الهدى فالكائنات ضياء “أساليب المواجهة(6)

واجه أهل مكة الدعوة الإسلامية بالرفض، واستخدموا كل الأساليب للقضاء عليها في مهدها، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم قابلها بالحكمة واستطاع أن يبطل مفعولها، قال تعالى:(( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ))، *لقد تنوعت أساليب أهل مكة في مواجهة الدعوة والتي يمكن إجمالها في الآتي :-

أولا:التكذيب

 في اليوم الأول الذي بلغهم في رسول الله صلى الله عليه برسالة التوحيد كذبوه، وظلوا يلاحقون بالاستهزاء والاستخفاف مع السخرية من المسلمين الذين اتبعوه، وكان القرآن يرد عليهم بأقوى رد يقوي به عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويغيظ المشركين، قال تعالى:((نٓ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ  مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ  وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ  فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ  بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ)) فكان وقع هذه الكلمات على نفوس المشركين أكثر إيلاما من ضرب السيوف، وقال تعالى:(( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ  وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ  وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ  وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ  وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)) وفي ذلك تعزية للمسلمين وتقوية لعزائمهم.

ثانيا:المساومة

طلبوا من رسول الله صلى الله عليه أن يتنازل عن الدعوة للتوحيد لبعض الوقت! فيعبد معهم آلهتهم عاما ويعبدوا معه إلهه عاما! فأنزل الله سورة الكافرون:

((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ   لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)).

ثالثا:مطالبتهم بالخصوصية

طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهم مجلسا خاصا بهم دون ضعفاء المسلمين، لأنه ليس من اللائق أن يختلطوا بالأرقاء والموالي والفقراء! فأنزل الله في ذلك:(( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)).

رابعا: الإغراء

 أرسلوا إليه عتبة بن ربيعة، فعرض عليه المال والجاه والملك والعلاج من المس إن كان به مس! ورسول الله يستمع إليه دون مقاطعة، فلما فرغ سأله الرسول قائلا:أفرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم. قال له الآن اسمع مني، فتلى عليه  الآيات الأولى من سورة فصلت، فلما بلغ قوله تعالى :(( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)) أمسك عتبة على فَمِه صلى الله عليه وسلم وناشَدَه الرَّحِم أن يكُفَّ، ثم عاد إلى قريش قائلًا: والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله، ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.. قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.

ولد الهدى فالكائنات ضياء “أساليب المواجهة(6)

خامسا:التعجيز

طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه ليزيل عنهم الجبال ويجعل بلادهم مسطحة، وأرضها خصبة، ويفجر فيها الأنهار، إلى غيرها من المطالب التي ذكرها القرآن الكريم :(( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا  أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا  أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ)) فأمره الله بأن يرد عليهم بقوله تعالى:((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا)).

سادسا: تعذيب المستضعفين

 عندما عجزت الأساليب السابقة عن إضعاف الدعوة وإعاقة مسيرتها، لجأ المشركون لتعذيب المستضعفين، فقتل ياسر وسمية تحت التعذيب، وعذب بلال وغيره، فجاء المستضعفون إلى رسول الله وشكوا له ما يلاقون؛ قال خباب بن الأرت :((شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)).

سابعا:تدبير القتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم

 اجتمع أهل مكة وتشاوروا كيف يتعاملون مع رسول الله ودعوته التي تنتشر؟ فاتفقوا على تجميع شباب من بطون قريش ويعطوا كل واحد سيفا ماضيا فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو هاشم محاربة جميع العرب فيقبلوا بالدية، فنجى الله رسوله وحاق مكرهم، قال تعالى:(( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)).

هذه الأساليب وغيرها تبين حجم المعاناة التي واجهتها الدعوة في صدرها الأول، وكيف استطاع الرسول بحكمته وتدبيره وتوفيق الله له أن يواجه كل المؤامرات وينتصر للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وحسن إدارة الأزمات.

قال تعالى:(( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)).

ولد الهدى فالكائنات ضياء “أساليب المواجهة(6)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى