د. عبدالمحمود أبّو
يكتب
معركة شيكان دروس وعبر
مائة وأربعون سنة بالتمام مضت اليوم على معركة شيكان التي انتصر فيها أهل السودان بقيادة الإمام المهدي على الجيش الغازي؛ قبل أربعة عشر عقدا كان جدودنا يحاربون غزوا أجنبيا استهدف أرضنا وشعبنا وهويتنا وكانوا على قلب رجل واحد في مواجهة الاستعمار، واليوم أبناء الوطن يحاربون بعضهم بعضا حمية وعصبية وقلوبهم شتى، قبل أربعة عشر قرنا والإمام المهدي يوجه المحاربين بعدم التعرض للآمنين والنساء والشيوخ ومن أغلق عليه بابه، وحذرهم من تجاوز أحكام الشرع وانتهاك الحرمات، واليوم في هذه الحرب دمرت المنازل والمصانع والمرافق وانتهكت الحرمات ونهبت ممتلكات المواطنين ولم تسلم دور العبادة من العدوان!!
نستعرض بعض الدروس من معركة شيكان التي من أراد تفاصيلها والاستفادة من وقائعها فليراجع كتب زلفو وعبدالمحمود أبو شامة ود. محمد المصطفى وغيرهم،هذه الدروس لعلها تجعلنا نراجع أنفسنا، ونصحح مسيرتنا، لنكون على بينة من أمرنا؛ فالذكرى تنفع المؤمنين.
أولا:
ثانيا:
عندما توالت هزائم قوات الخديوي أمام جحافل الأنصار، قررت بريطانيا إرسال جيش قوي بقيادة هكس القائد الذي حارب في الهند والبنغال والحبشة وغيرها، وكان ضابطا متميزا تم اختياره بعناية بعد تمحيص لقيادة حملة القضاء على المهدية، فاختار ضباطه وجنوده وعتاده، وكانت قوته مكتملة فيها كل الوحدات حتى سلاح الموسيقى والمراسلين الحربيين، وقدر الأستاذ عبدالمحمود أبو شامة القوة بخمسة عشر جنديا وضابطا، وانضم لهم عدد لا يستهان به من داخل السودان، وكان هكس واثقا من إنتصاره على المهدي.
معركة شيكان دروس وعبر
ثالثا:
استعد الإمام المهدي لمواجهة الحملة ووضع خطة محكمة لإجبار الحملة على السير في طريق حدده، ووجه أبرع أمرائه لمتابعة الحملة ومناوشتها دون الدخول معها في مواجهة مباشرة، والأمراء هم:محمد عثمان أبوقرجة، وعبدالحليم مساعد، وحمدان أبوعنجة، والياس أم برير، وطلب منهم مناوشة الحملة، وضرب الخارجين منها، ودفن الآبار، وإخلاء القرى، واستدراج الغزاة وتزويده بالمعلومات أولا بأول.
رابعا:
معركة شيكان دروس وعبر
بعد أن عبر هيكس بقواته النيل الأبيض وتجاوز الدويم؛ أرسل رسالة تهديد ووعيد للإمام المهدي، وعندما تلي الخطاب على الإمام المهدي رد بهدوء قائلا:”سبحان الله هذا المسكين نسي قدرة الله؟ لاحول ولا قوة إلا بالله” ، ثم خاطب الأنصار قائلا:”إذا طار الطير أين ينزل؟ قالوا ينزل على الأرض. فقال نحن الأرض وهؤلاء أينما توجهوا سيأتوا إلينا” .
خامسا:
أرسل الإمام المهدي خطابا للأمير أحمد ود جفون جاء فيه:” بمجرد وصول جوابي إليكم، أنتم وجميع من معكم من الأنصار انضموا مع بعضكم البعض في جهة من الجهات، واخلوا لهم الطريق كي يجدوه سهلا خاليا، واكمنوا لهم بالطلائع الشافية، وبعد تحققكم بذهابهم ومرورهم من نواحيكم فامسكوا قفاهم واتبعوهم من ورائهم فيصيرون وسطنا، فالحرب خدعة، فشمروا عن ساعد الجد وقوموا بواجب ما أمرتم به ولا تغفلوا عن الطلائع دائما قبل وصولهم بنواحيكم ومرورهم ولا تقطعوا من الإفادة من الأخبار المحققة”٠
سادسا:
سابعا:
معركة شيكان دروس وعبر
في صبيحة الإثنين الخامس من نوفمبر 1883م صلى الإمام المهدي بأصحابه صلاة الصبح ثم خاطبهم يحثهم على الصبر في الجهاد، ومبشرا لهم بأن النصر حليفهم وقال لهم:”لو تأخر أحدكم لإصلاح شراك نعله لا يدركهم أحياء” ثم كبر وتلى الآية :(( إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).
ثامنا:
انتهت المعركة بالانتصار الساحق في وقت وجيز من بالغ قال خمسة عشر دقيقة، والمتوسط قال ثلاثة أرباع الساعة، وآخرون قالوا ساعة، لكنهم أجمعوا أنها أسرع معركة حدثت في تاريخ المعارك الكبرى،لقد أحدث هذا النصر تحولا كبيرا في مسيرة السودان، وعقد مجلس العموم البريطاني جلسة لمناقشة هذه الهزيمة، وقال اللورد مورس في تلك الجلسة معلقا:”لعل التاريخ لم يشهد منذ لاقى جيش فرعون نحبه في البحر الأحمر كارثة مثل تلك التي حلت بجيش هيكس في صحارى كردفان، حيث أفني عن آخره، وقضي عليه قضاء مبرما” وسبحان الله تشبيهه بجيش فرعون فيه إشارة إلى أنه كان على باطل والحق ما شهدت به الأعداء.
تاسعا:
معركة شيكان دروس وعبر
الدروس المستفادة كثيرة منها:أن الحق منصور مهما كانت قوة الباطل، وأن وحدة الكلمة، وصدق التوجه، ووضوح الهدف، والتخطيط السليم؛ عوامل مهمة للنصر، كذلك فإن أهل السودان عندهم القدرة على مواجهة التحديات والتغلب عليها، وأن الطاقات الكامنة فيهم يمكن توظيفها لتحرير الوطن وبنائه إذا وجدت من يحسن إدارتها.عاشرا: نقول لأبناء الوطن راجعوا تاريخ سلفكم وتعلموا منهم كيف أداروا الأزمات، وأوقفوا الحرب الدائرة ووظفوا طاقات أبناء الوطن ومقدراتهم للبناء لا للهدم، وللسلام لا للحرب، وللتعايش لا للتفرقة، وللمحبة لا للاحقاد، قال تعالى:(( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))
معركة شيكان دروس وعبر