تصنيفات عامة

فى نعي الوالد

فى نعي الوالد

فى نعي الوالد

أبي الذي كان قرآنا يمشي بين الناس، بمعاملته وأخلاقه وسلوكه أسجل على شاهد قبره بعض ما أعرفه عنه وأسأل الله أن يوفقني لإصدار كتاب عن سيرته ومسيرته لعلها تكون عبرة لأحفاده وأسباطه ومحبيه فضلا عن أبنائه وبناته:

1– اسمه : أبو إبراهيم عبدالمحمود أحمد، والدته فاطمة بنت خميس، استشهد والدها في كرري، مولده في جبل حلة قرية(تقولة) في العشرينات من القرن العشرين، درس القرآن على والده ثم ذهب وأكمل حفظه للقرآن في دارفور (مرشنج- كاس- نيالا..) بعد الحفظ بدأ تدريس القرآن في الخلوة التي حفظ بها ثم تنقل مع تلاميذه إلى بلدته جبل حلة ثم ود جلاب إلى أن استقر به المقام في غبيش عام 1956م حيث أسس المسيد الذي حفظ فيه مئات الطلاب من مناطق شتى في ربوع السودان.

2- تزوج من والدتنا الكبرى حواء الضو وأنجب منها أبناءه وبناته(إبراهيم – عبدالله – محمد – كمال الدين – الصادق – شرف الدين – محمد المهدي – فاطمة – الزينة – سارا – هدى-رحمة) ووالدتنا الصغرى حواء فضل الله وأنجب منها:(محمد أحمد – عبدالمحمود – الهادي-موسى-يوسف – محمد المهدي-أحمد – إخلاص – هاجر – سعدية – شامة – زمزم – بهجة) منهم من مات قبله ومنهم من لحق به، ولحقت به الوالدة الصغرى بعد ست سنوات من وفاته ووالدتنا الكبرى لحقت به بعد سبع سنوات من وفاته رحمهم الله رحمة واسعة، وبحمد الله كل أبنائه تزوجوا وأنجبوا وكذلك بناته ولبعضهم وبعضهن أحفاد نسأل الله أن يحفظهم ويوفقهم للسير على دربه.

4- عندما هاجر الوالد بطلابه بحثا عن منطقة تتوفر فيها المياه والأراضي الصالحة للزراعة التقى به الشرتاية محمد عبيد الله ودعاه للإقامة معه في غبيش، فاستجاب لطلبه وخصص لها حيا كاملا للإقامة وأرضا واسعة للزراعة له ولطلاب الخلوة ولمن يرغب في الإقامة بجواره، وظل الوالد يحفظ الود للشرتاية محمد عبيد الله ولخلفه للشرتاية علي محمد عبيد الله، وعندما تفتحت أبصارنا وجدنا كل الكبار من أهل غبيش آباءنا والسيدات أمهاتنا والأبناء إخواننا والبنات أخواتنا وعشنا في مجتمع متسامح متعاون بفضل تربية الآباء وتواصلهم.

أبي الذي كان قرآنا يمشي بين الناس

5- بايع الوالد الإمام عبدالرحمن المهدي في أواخر أيامه في عام 1959 جاء بصحبة عمنا إبراهيم خليل وكيل الإمام في دارحمر، وعمنا إسحق محمد أحمد، ومكثوا شهرا في ضيافة الإمام عبدالرحمن المهدي وعينه وكيلا له في غبيش، وظل في وكالته وفيا مع كل الأئمة حتى غادر الفانية.

6- كان محبا للعلماء وداره استضافت كثيرا منهم ونظمت حلقات في المسيد لتدريس التوحيد والفقه والسيرة والتفسير، عاصرنا عددا منهم؛ بعضهم جاء من وسط السودان وبعضهم من غرب السودان وبعضهم من بلاد شنقيط، وكان يتعامل مع الجميع بأريحية كأنهم أصدقاؤه، وكان سلامه لمن يعرف ومن لا يعرف يتميز بحرارة الاستقبال وحفاوة اللقاء مع ابتسامة لطيفة شاهدها كل من لقيه.

7- منهجه في التدريس بعد أن يختم الطالب القرآن يقرأ راتب الإمام المهدي باللوح ليحفظه ثم يواصل حفظه للقرآن الكريم، وكان يؤم المصلين في كل الصلوات وبعد صلاة الصبح وقراءة الراتب كاملا مع جزء من القرآن كل يوم نأتي للديوان (الضرا) لتناول الشاي والقهوة، وكان في كل يوم يعطينا دروسا عن المهدية وأحداثها وأقوال الإمام المهدي وتعاليمه، مما غرس فينا الأنصارية منذ الصغر فاختلطت بدمائنا ولحمنا ومخنا وعظمنا إلى أن استقرت في سويداء قلوبنا وعظم نورها في لُبِّنَا.

8- كان مرجعا للناس في تصحيح التدين وفض النزاعات ومعالجة المشاكل التي تحدث بين الناس عادة، وكل القضايا التي يحتاجها المجتمع ولم يخل ديوانه من الضيوف أبدا، وكثيرا ما يتم إيقاظنا في منتصف الليل لترك الأسرة (العناقريب) للضيوف لننام على الأرض.

9- كان ذاكرا ومحتفظا بورده يقرأ كل يوم خمسة أجزاء من القرآن لا يفرط فيها مهما كانت المشاغل، وكان متحليا بمكارم الأخلاق هاشا باشا راضيا لا يتبرم ولايشكو من ضيق الحال ولا يرد سائلا حتى ولو يستدين، وكان الرضا باديا في كلامه وفي قسمات وجهه، وكان يردد دائما هذا الدعاء :(اللهم إني أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة))

10- توفي في 2010م وهو جالس على الكرسي يتلو القرآن، ذكرت الوالدة أنها جاءته قبل وفاته بلحظات وقالت له هل أحضر لك شيئا تأكله؟ قال لها جاءني شخص قبل قليل وناولني كوبا من اللبن، قالت له سبحان الله لم أر شخصا دخل عليك!! فأكد لها ذلك وبعد لحظات ردد الشهادة وفاضت روحه لبارئها، وشيعته مدينة غبيش عن بكرة أبيها وقال الذين حضروا إن مقدمة المشيعين كانت في المقابر والمؤخرة كانت في البيت والمسافة بين البيت والمقابر حوالي ثلاثة كيلو مترات.

اللهم إني أتوجه إليك في هذا اليوم المبارك الأول من رمضان أن ترحم والدي وتغفر له وتكرم نزله وتلحقه بعبادك الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن توفقنا على ترسم خطاه والبر به ووصول أهل وده وأن تحشرنا جميعا في جنة الفردوس بصحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والصالحين من عبادك.

آمين آمين آمين.

وأرجو من كل من لديه موقف مع الوالد أن يمدني به لأضمنه في الكتاب الذي أنوي تأليفه عنه.

(( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ))

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى