تصنيفات عامة

الوسطية منهج حياة

الوسطية منهج حياة

بسم الله الرحمن الرحيم

الوسطية منهج حياة

بقلم: عبدالمحمود أبّو

رئيس المنتدى في السودان

رمضان 1436هــ

الوسطية منهج حياة ومن ثم يتعامل معها بوعي، ففي مجال العقيدة يُحقق وَحْدانية الخالق، وفي مجال العبادة يُراعي مَقاصدها الاجتماعية، ويدرك أنّ أساس الأخلاق هو أنْ تُعامل الناس كما تُحب أن يُعاملوك، ومنهج الوسطية يجعل المرء ينظر إلى الأمور بتوازُن ووعْي وتكامل

إنّ معالم الوسطية تتمثل في الآتي: 

أولا: الجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ فالوسطية تلتزم بالأصالة كمرجعية، ولا تهمل المعاصرة كفضاء للتطبيق، وتفاعل بين النص والواقع. 

ثانيا: التوفيق بين علم الشريعة المُتَمَثِّل في الأحكام الشرعية الخمسة، والمبادئ والمقاصد؛ وبين علم التَّزْكية الذي يخاطب الوجدان ليرتقي بالإنسان إلى مرحلة التذوق الإيماني.. 

ثالثا: التميِيز بين الثوابت والمتغيرات؛ فالأحكام الشرعية تنقسم إلى أصول؛ أحكامها ثابتة؛ تتمثل في العقائد والعبادات وأصول الأخلاق، وفروع ووسائل، أحكامها مُعَلَّلة وتَتَغيَّر بتغيُّر العلل. 

رابعا: التوفيق بين ظواهر النصوص وقراءة ما وراء النصوص، من معاني تستبط بالتأمل والتدبر والتفكر. 

خامسا: الالتزام بالتيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة؛ فالأخذ بالرُّخص، ومراعاة الضرورات، واستصحاب الواقع، والعرف؛ من الأمور التي ينبغي أن تراعي في الفتوى. 

مع معرفة المكونات الفكرية، والخلفيات الثقافية، للمخاطب، واختيار المداخل المناسبة تطبيقا لمبدأ الحكمة المطلوب في الدعوة؛ قال تعالى: ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ” 

سادسا: مراعاة الواقع: التعاليم الإسلامية لا تُطبَّق في فراغ وإنما يقوم بتطبيقها الإنسان بكل خصائصه، وفي واقع تختلف طبيعته من بيئة لأخرى، لذلك فإن منهج الوسطية يراعي الواقع ويزاوج بينه وبين الواجب على أساس قوله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: ” لوﻻ أنّ قومك حديثوا عهد بالإسلام؛ لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد ابراهيم ” مراعاة للواقع. 

سابعا : مراعاة الضرورات : الإنسان مخلوق من طين وفيه قَبَسٌ من روح الله ، ومن خصائصه العقل والحرية والإرادة والوجدان ؛ وهذه لديها مطالب ضرورية لتحقيق إنسانية الإنسان، وتمكينه من تحقيق وظيفة الإستخلاف التي خلق للقيام بها . قال تعالى : ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” فالحاجات الضرورية اهتم بها الإسلام وشرَع لتلبيتها وصيانتها، وليس هنالك أمر ضروري للإنسان؛حرَّمه الإسلام، وإنما وضع ضوابط شرعية لإشباعه مع مراعاة التوازن بين حاجة الفرد والمحافظة على النظام العام للمجتمع البشري. 

ثامنا: مراعاة الشورى والحرية: الحرية من أهم خصائص الإنسان، ولذلك حرَّم الإسلام الإكراه في الدين، والحرية شرط لممارسة الشورى التي تضبط النظام الاجتماعي؛ وعليه فإن الوسطية تُولي اهتماما كبيرا لصيانة الحرية تحقيقا لكرامة الإنسان وتمكينا له من ممارسة الشورى. 

تاسعا: انصاف المرأة وإشراكها في كل الأعمال التي تلائم طبيعتها فهي تمثل الشِّق الآخر للإنسان، وهي مخاطبة كالرجل لتحقيق وظيفة الاستخلاف بكل تجلياتها؛ تقسيما للأدوار وإقامة لرسالة الإنسان في الكون

١٠ – التَّسامح مع الآخر والعمل على صيانة العيش المشترك بين مكونات المجتمع المتنوعة؛ دينيا وثقافيا، فالتعدد إرادة إلهية، وضرورة اجتماعية، وواقع كوني مُعاش.  

باستيعاب المعالم السابقة تتضح المعايير التي بموجبها يصح الحكم كل من يدعي الوسطية هل هو صادق أم يخالف قوله الواقع. فالوسطية منهج يقوم على العدل والتوازن والتكامل فمن يلتزم بهذا المنهج فهو وسطي فردا كان أم جماعة أم تنظيما وإلا فلا.. 

والتوازن يتحقق بفهم صحيح الإسلام، وترسيخ مبادئه عن طريق المناهج التربوية والتعليمية، وكذلك بتجفيف منابع التَّطرف والغلو ومغذّياته الاجتماعية والفكرية، ومعالجة ظاهرة الفقر والأمية والتخلف، ويتم كل ذلك عبر تحقيق الإصلاح السياسي الذي له تأثير كبير على الأمور الأخرى

إن الفهم الصحيح للإسلام هو العاصم من الإنحراف عن الصراط المستقيم، وهنا يكون دور العلماء قال صلى الله عليه وسلم:” يحمل هذا العلم من كل خَلَفٍ عُدُولُه يَنْفُون عنه تَحْريف الغَالِين وانتِحَال المُبطلين وتأويل الجاهلين”   

إن الدين التزامٌ قبل الدعوة ؛ وسلوكٌ قبل الشعار، وإصلاحُ الباطن قبل الظاهر ، فالذي يدعو لأيّ أمر إن لم يكن مُلتزما به في نفسه؛ فلن يكون له أيُّ أثرٍ على الواقع ، فمُعَلِّم نفْسَه ومؤدِّبُها خيرٌ من مُعَلِّم الناس ومؤدِّبهم ، وثبت بالتجربة أن أكثر الأصوات ارتفاعا بالشعارات من أقَلِّهم التزاما بمضمونها قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كَبُرَ مَقْتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” أقول لرافعي الشعارات دون التزام؛ أرفقوا بأنفسكم وبالناس، فالشريعة ليست شعارات، ولا حدودا وعقوبات فحسب، وإنما هي منهج حياة متكامل، وبهذا الفهم أقول إنّ الشريعة ليست غائبة كلياًّ، فنحن نراعي  أحكام الشريعة منذ الميلاد، ونحرص على ممارسة كل شؤون حياتنا وفق أحكامها، ونجتهد في ذلك حتى الممات. وأعني بذلك النظام العام لمُجتمع المسلمين، وحتى الدول في بعض تشريعاتها مُلتزمة بالشريعة؛ ولا ينفي هذا وجود بعض المخالفات الفردية والجماعية وعلى مستوى الدولة، ولكنها مقارنة مع الغالب الأعم فهي مخالفات قليلة وتتعاظم حَسْب طبيعتها ونوع مقترفيها، وعليه فإن الشعار الصحيح هو الدعوة لتوسيع قاعدة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لتشمل الجوانب التي لم تُطبق فيها، ولكن بالتدرج مع مراعاة الواقع. 

الإسلام دين خاتم جمع أصول الرسالات السابقة، ومن شروط صلاحيته للتطبيق استجابته لمتطلبات مستجدات الحياة ، ومنذ عصر التَّنْزيل مرورا بكل الحقب اهتم الفقهاء بإبراز مقاصد التشريع؛ حتى أنّ العِزْ بن عبدالسلام قال :”كل تصرُّف أدَّى إلى نقيض مقصوده فهو باطل”، واجتهادات عمر بن الخطاب تؤكد ذلك؛ فمنعه سهم المؤلفة قلوبهم، ورفضه تقسيم أراضي العراق، واتخاذه للدواوين، وغيرها؛كل ذلك يندرج في بند قراءة النصوص الجزئية في ضَوْءِ المقاصد الكلية ، وفي عصر الإنفتاح والعولمة وتدفُّق المعلومات وتقارب الزمان والمكان صار إبراز هذا المنهج من ضرورات العصر.  

إن الفكر الإسلامي هو تَفاعُل بين النّصوص والواقع، والإسلام دعا لهذا التفاعل فالقرآن كتاب مقروء والكون كتاب منظور، ومطلوب من المسلم قراءة الكتابين ليفهم مقصد الله من قصة الخلق، ورسالة الإستخلاف، فتجديد الفكر الإسلامي؛ هو تفاعل بين الإسلام والواقع عبر العصور، ولكل عصر مُفَكِّروه ومُجَدِّدُوه، والتجديد هو تجديد التَّدَيُّن لا تجديد الدين، وتجديد القراءة للنصوص وفق متطلبات العصر، لتحقيق التصالح بين الدين والحياة.  

والشرع جاء لتنظيم حياة الإنسان وتوجيهها لما يحقق صلاحه في الدنيا والآخرة، والقرآن نزل لكل الناس في كل العصور، وكل أهل عصر مطالبون أن يقرأوا القرآن كأنَّه أُنْزل عليهم مع استفادتهم من قراءات السابقين لهم، والالتزام بالأصول الثابتة التي لا تتغير بتغيُّر الزمان والمكان. واستصحاب الملائم لعصرهم من قراءة السلف. 

ولعل هذا هو معنى قوله تعالى : ” تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون” وقوله صلى الله عليه وسلم  عن القرآن الكريم :” ولا تبلى جدته” أيْ أن معارفه ومعانيه لا تتقيد بحدود الزمان والمكان ؛ إذا فُهم الإسلام بهذا المعنى الواسع، وأدرك المسلمون أن معارف القرآن أوسع من حدود المكان والزمان،  وأنها متجددة؛ فإن ذلك من شأنه أن يحقق توفيقا بين ثوابت الإسلام ومقتضيات العصر المتجددة. قال تعالى: “ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ“[ابراهيم:23-4].

صدق الله العظيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى