تصنيفات عامة

لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال

لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال

بقلم: د. عبدالمحمود أبو

لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال أمانة التكليف تقتضي أن يكون كل إنسان مكلف قدر طاقته ومحاسب على قدر فهمه وعطائه، والتاريخ ساحة للاعتبار يستفاد منه ولكن لا يقلد تقليدا أعمى، فكل نفس بما كسبت رهينة ، وعطاء السابقين يُحْترم ولكنه لا يقلَّد قال تعالى: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) والمهدية في السودان لها اجتهاد ديني وعطاء وطني، فهي التي شكلت السودان الحديث بحدوده الجغرافية ذات المليون ميلا مربعا قبل انفصال الجنوب، وحافظت على وحدته وكرامة أهله ؛ وجاءت الدعوة المهدية في السودان بمفاهيم واضحة تتمثل في الإحياء والتجديد والاتباع، فقد حدد الإمام المهدي عليه السلام أهداف الدعوة في عبارات واضحة:  أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما . حيث استعمل مصطلحا مقصودا لذاته وهو أن يكون الدين حيا في سلوك الفرد وممارسات المجتمع ، لا مجرد مصاحف مطبوعة في الكتب ومحفوظة في الصدور دون أن تتمثل في السلوك ، ولا مجرد سنن مدونة لم يتأس بها المؤمنون بالرسالة الخاتمة ؛ فما فائدة الدين إذا انحصر في نصوص تحفظ دون أن يكون لها تأثير على الواقع ، قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(البقرة-177)).

والعبارة الثانية هي قول الإمام المهدي عليه السلام: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال .. هذه العبارة حددت بوضوح أن هنالك ثوابت في الإسلام وهنالك متغيرات ، فالمتغيرات أحكامها مرنة ومتحركة لتلائم كل عصر وتستجيب لحاجات الإنسان الفطرية ، لكيلا يدخل في الحرج . إن أكبر خطأ شل حركة الفكر الإسلامي هو التعامل مع أحكام المعاملات قياسا على الثوابت ! مما جعل المسلم أمام أمرين لا ثالث لهما : إما أن يلتزم بأحكام دينه ويتجاهل عصره فيدخل في حرج، وإما أن يعيش عصره فيتخلى عن دينه. وهذا الحرج سببه الفهم الخاطئ لأحكام الدين ، فالمهدية أخرجت الفكر الإسلامي من قميص الحديد الذي أُلبسه فصار المسلم يلتزم بدينه ويعيش عصره في اطمئنان ورضا. قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص-77).

والعبارة الثالثة في فكر المهدية هي ما قاله الإمام المهدي: “إن أمرنا هذا أمر اتباع لا أمر ابتداع”. فالمهدية تجديد للإسلام وإحياء لشبابه وليست شيئا مبتدعا ، وهي تستمد قوتها من الفهم الصحيح لروح الإسلام وتحقيق مقاصده، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(فصلت33).

فقد أدركت المهدية التنوع الثقافي والديني والإثني في السودان فتعاملت معه بواقعية وإدراك للخصوصية، فرايات المهدية تعبر عن التنوع الثقافي والإثني، وتعاملت المهدية مع أهل الجنوب على أساس أنهم أصحاب عهد وليسوا أهل ذمة ، ولذلك عمَّدت زعماءهم كأمراء على مناطقهم واستنفرتهم لتحرير البلاد من المستعمر دون أن يكونوا مسلمين، والوقائع التاريخية تؤكد ذلك.

لكل وقت ومقام حال

وبهذا حققت المهدية للسودان التحرير، والوحدة، والشهرة، وأكملت حلقات الإسلام فيه بإقامة التشريع. ورسخت الثقافة القومية ؛ متجاوزة بذلك القبلية المتعصبة، والجهوية المتخلفة، والعنصرية المتعفنة، إلى حيث المساواة، والتسامح، والانتماء الأوسع ؛ وطنيا وعقديا. لقد حافظ أنصار الله على التربية المهدية التي تهتم بالدين والوطن في آن واحد وتستصحب إيجابيات الفرق الإسلامية الأخرى دون تنكر أو تكفير، وخير وصف للمهدية ورد في عبارة الشيخ الطيب البصير حيث قال: “الطريقة فيها الذل، والانكسار، وقلة الطعام، وقلة الشراب، والصبر، وزيارة السادات. والمهدية فيها ستة: الحرب، والحزم، والعزم، والتوكل، واتفاق القول، والاعتماد على الله. فهذه الإثنى عشر لم تجتمع إلا للمهدية”.

لا بد لنا نحن أنصار الله أن ندرك أننا نعيش في مرحلة جديدة، تبلورت فيها الأنصارية في مدرسة فكرية حددت مسارها بوضوح، وبينت أهدافها، وميزت بينها وبين مدارس الانكفاء والتبعية والانهزام. هذه المرحلة مقوماتها الفكرية:

1-  التوفيق بين الأصالة والمعاصرة.

2- الالتزام بالقطعيات من النصوص الشرعية.

3- الاجتهاد في الظنيات للتعامل مع المستجدات.

4- الاعتراف بالآخر المذهبي والآخر الملي.

5- التسامح الديني والمعاملة بالبر مع الآخر.

6- الاستفادة من تجارب الإنسانية النافعة.

7-  التعاون مع جميع الخيرين لتحقيق خير الإنسانية.

 وآلياتها المؤسسات المتخصصة ذات الشخصية الاعتبارية.. هذه الأهداف لا تتحقق بالحماس وحده، ولا بالأماني، ولا بالقعود والانتظار، وإنما تتحقق بالتخطيط العلمي المدروس، والأخذ بوسائل العصر، وعلو الهمة، والارتفاع عن الصغائر؛ حتى نصل إلى صنعاء وإن طال السفر. ولنا في مهدي الله الأسوة حيث قال في الراتب يناجي ربه: “واجعل لنا منك نصيرا على أنفسنا وشياطين الإنس والجن واجعل بدلها في قلوبنا نورك لنَفِيَ بالصدق ونقوم بالحق ولا نتزلزل عن رضائك إلى يوم لقائك، يا أرحم الراحمين”.

علينا أن نعلم أن كل المصلحين من لدن الأنبياء والمرسلين والتابعين لهم بإحسان تعرضوا للابتلاءات والظلم من ذوي القربى ومن الحاسدين بالإساءة والتجريح والتلفيق والتهم الكاذبة بقصد تشويه صورتهم أمام العامة ولكن الله حفظهم ونصرهم، وكان أكثرهم أذى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال له ربه بعد أن أقسم بالنون والقلم وما يسطرون: ” ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لأجرا غير ممنون، وإنك لعلى خلق عظيم، فستبصر ويبصرون، بأييكم المفتون”؟ فلنطمئن ما دمنا على الدرب سائرين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى